شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
شرح كتاب الإيمان من مختصر صحيح مسلم
33428 مشاهدة
من لم يؤمن لم ينفعه عمل صالح

قال المؤلف رحمة الله تعالى: باب: من لم يؤمن لم ينفعه عمل صالح.
عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قلت: يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه؟ قال: لا ينفعه؛ إنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين .


ابن جدعان هذا من قبيلة بني تيم، الذين هم من أقارب عائشة وأبي بكر من قريش؛ رزقه الله مالا وكان من أثرياء قريش، وفتح الله عليه في الدنيا، فكان كريما جوادا فكان يقري الضيف، ويكفل المساكين، ويطعم اليتامى، ويعطي ذوي الحاجة، ويطعم في أوقات الجوع؛ حتى كان له جفنة أي: صحفة كبيرة من الخشب يملأها طعاما من كبرها يأكل منها الراكب على البعير ارتفاعها؛ تمتلئ طعاما فيأتي الراكب على البعير، ويقف إلى جانبها ويأكل منها، مما دل على كرمه وكثرة عطائه، ولكنه مات في الجاهلية قبل أن يدرك الإسلام.
عائشة تسأل النبي صلى الله عليه وسلم هل ينفعه ما كان قدمه؟ هل تنفعه أعماله كونه يتصدق، ويكفل اليتامى ويطعم المساكين ويقري الضيف، ويكرم الحجاج والوافدين ويعطيهم ويصلهم؟ فقال: لا ينفعه ما أراد بذلك الدار الآخرة، ما أراد إلا الشهرة في الدنيا، لم يطلب الآخرة ولم يعمل لها، ولم يقل يوما من الدهر: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين. ولم يكن من الذين يؤمنون بالبعث ولا بيوم القيامة، ولا بالدار الآخرة ولا بالجنة ولا بالنار؛ بل كان على معتقد ما كان عليه الجاهلية، فعمله جوزي به في الدنيا، وهو الثناء من الناس والذكر من الناس والمدح منهم.
فهكذا أهل الجاهلية، إلا من أدرك الإسلام فإنه ينفعه ما قدم في جاهليته وفي إسلامه، إذا أسلم وحسن إسلامه كما ذُكر عن حكيم بن حزام رضي الله عنه كان من أثرياء قريش. أعتق قبل الإسلام ستين مملوكا، ولما أسلم سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ما قدمه فقال: أسلمتَ على ما أسلفتَ من خير فقال: لا أترك عملا عملته في الجاهلية إلا عملت مثله في الإسلام؛ فأعتق في الإسلام أيضا ستين مملوكا، وعمل الأعمال الصالحة التي فرضها الله تعالى.